اليوم نُودع عاما سيمضي، ونفتح الباب لعام جديد يحلّ بيننا...
في لحظة وجيزة من لحظات حياتنا الهاربة سيتغيّر رقم في آخر الجملة المفيدة..
إثر ذلك لن تكون الرزنامة الحائطية المعلّقةُ في ركن من البيت صالحة وعلينا أن نزيلها لنضع واحدة أخرى تصلح لإحصاء الأيام المنفلتة من بين أصابعنا كحبات الرمل الناعمة..
في لحظة وجيزة، تشتعل فيها الأضواء العارمة في ساحات العواصم وشوارعها..
سيكون رجال ونساء في شتى بقاع الدنيا يلتحفون الصمت والكبرياء في انتظار يوم جديد لا تعنيه معادلة الأرقام..
اليوم يغادرنا عام آخر..
ورقة أخرى تسقطُ من شجرة العمر فتحملها الريحُ الغضوب إلى غياهب النسيان..
على هذه الورقة الذاهبة إلى عوالم الصمت، بعض من فظاعات الحضارة وبعض من تآكلها الذاتي...
على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، وعلى هذه الورقة المهترئة ما يليق بالعدم..
سيدخل العام الجديد حياتنا في احتفالية باذخة..
في تلك اللحظة الخاطفة التي يتغير فيها شكل الرزنامة على إيقاع دقات بيغ بان الشهيرة سيكون ثمة فقراء يحلمون بالجنة..
وموظفون بسطاء فرحون بالدجاجة الحسناء المستلقية على طاولة العشاء الأخير..
سيكون ثمّة متثائبون يطلون برؤوسهم على الدنيا من وراء التلفزيون..
سيكون العالم بحيرة أحلام ناعمة وغابات كوابيس صارمة
ومع اقتراب اللحظة التي تمتزج فيها البداية مع النهاية سيكون هناك رجالٌ ونساء في أقبية النوم العميق يصارعون أمواج الظلمات المرعبة..
هناك جنود يقبعون تحت خوذاتهم في التخوم القصية..
وهناك أنهار تجري إلى ما لانهاية..
سيكون العرافون على أهبة العودة إلى أبراجهم لمراقبة العالم من وراء الكرة الزجاجية البراقة..
ومع إطلالة العام الجديد، ليس أجمل من أن تكون نوافذ البيت مشرعةً للعصافير والأنهار والغابات..
ليس أجمل من أن نحلم بتغيير العالم..
ليس أجمل من أن نتقاسم مع كعكة الحلوى اللذيذة بعضا من الحلم بغد أكثر إشراقا وصباحات أكثر طراوة وحياة بلا ضفاف..
وفي انتظار أن تتحقق أغانينا..
كل عام وأنتم بخير.